إن عماد وأساس كل دولة إلى جانب الشعب والإقليم السيادة فالسيادة هي الحق الكامل للسلطات الحاكمة بممارسة سلطتها على أرضها دون تدخل جهات خارجية ولكن ماذا لو طغى على سيادة دولة ما هيمنة خارجية بحيث تصبح الدولة وهيئاتها تحت نفوذها وطاعتها؟.
سيطر الحديث حول انتخاب رئيس الجمهورية على الساحة اللبنانية,فقد جاء في المادة 49 من الدستور أن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يسهر على احترام دستور الدولة اللبنانية والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقا لأحكام الدستور, كما أنه يراس المجلس الأعلى للدفاع وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء. يتوجب على رئيس الجمهورية فور انتخابه وقبل مباشرة مهامه الدستورية أن يحلف اليمين الدستورية حيث نصت المادة 50 من الدستور على ما يلي:” عندما يقبض رئيس الجمهورية على ازمة الحكم عليه أن يحلف أمام البرلمان يمين الإخلاص للأمة والدستور بالنص التالي: احلف بالله العظيم انني احترم دستور الامة اللبنانية وقوانينها واحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه”, قسم يتألف من سطر واحد تلعثم فيه رئيس الجمهورية السابق فنحن لا نلومه لأنه من الصعب أن يقوم الشخص بحلف يمين على شيء ذو مكانة عالية وهو يعلم أنه ليس قادرعلى القيام بما نص عليه هذا اليمين, فعلى الرغم من أن الشعب اللبناني بشكل عام ومجلس النواب بشكل خاص كانوا ينتظرون انتهاء ولاية ميشال عون بالساعات ولربما بالثواني لإنشاء تغيير جذري للبنان وانتخاب رئيس جمهورية قادر على انتشال لبنان من واقعه المأساوي وعلى تحمل مسؤولية اعادة تعمير الدمار الذي خلف على مدى الست سنوات السابقة على كافة الأصعدة الا أن إلى الآن وبعد مرور حوالي السنة على انتهاء ولاية الرئيس السابق ليس هناك بصيص أمل في انتخاب رئيس جديد فقد طغى الهرج والمرج وسط مماطلات مجلس النواب بدلا من القيام بهذا الواجب الوطني.
يبقى الجدل مستمرا حول النصاب المطلوب لانتخاب رئيس الجمهورية فقد جاء في المادة 34 من الدستور”لا يكون اجتماع المجلس قانونيا ما لم تحضره الأكثرية من الأعضاء الذين يؤلفونه وتتخذ القرارات بغالبية الأصوات, وإذا تعادلت الأصوات سقط المشروع المطروح للمناقشة” وبما أن ليس هناك أي نص ينص بشكل صريح على النصاب المطلوب لانتخاب رئيس الجمهورية اتخذ مجلس النواب المادة 49 التي جاء فيها “ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الاولى, ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي”. كذريعة للتبرير على سبب تاخر الانتخاب لكن هذه المادة ليس لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالنصاب فهي تنص فقط على عدد الاصوات التي يجب ان ينالها المرشح وهنا ينبغي الاشارة على ضرورة الاخذ بالمادة 34, ومن ناحية أخرى نصت المادة 73 على أن يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الاقل او شهرين على الاكثر واذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فانه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق اجل انتهاء ولاية الرئيس وقد جاء ايضا في المادة 74 “اذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس او استقالته او سبب اخر فلأجل قانون الخلف يجتمع المجلس فورا بحكم القانون واذا اتفق حصول خلاء الرئاسة 75 على ان المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالا في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة او اي عمل اخر وهنا يبدو ان هذه القوانين فرضت اجتماع المجلس كهيئة جماعية لا فردية فأصبح من الواضح سبب عدم وجود مادة تحدد النصاب المطلوب, وبذلك ان تغيب اي نائب عن الجلسة او امتناعه عن التصويت ما هو الى اعتكاف عن ممارسة واجبه الوطني, حتى ان الامر لم يقتصر فقط على التغيب بل تعداه لممارسات غير منطقية فالبعض يحضر الدورة الاولى ولكن يمتنع عن حضور الدورة الثانية وهنا من البائن ان هؤلاء الافراد يتعمدون ذلك لعدم تحقيق النصاب المطلوب, فكيف يمكن لهؤلاء النواب الذين يمثلون الامة غير قادرين على انتخاب رئيس والتي تعتبر من اسهل المهمات التي تندرج تحت مهمات النائب؟.
أما تأثير عدم انتخاب رئيس الجمهورية يشكل تهديدا على كافة الاصعدة ولا سيما صلاحياته الدستورية تجاه السلطة التشريعية او التنفيذية, ان الفراغ السياسي القائم في لبنان وما يتبعه من مشاكل اقتصادية, اجتماعية في ظل وجود حكومة تصريف أعمال تبدو عاجزة وغير قادرة على اتخاذ حلول المناسبة لتلك المشاكل التي باتت تشكل آفة في المجتمع اللبناني كما أن هذا الفراغ يؤدي الى تفاقم الأزمات المذكورة أعلاه.
ولم يقتصر الأمر فقط على الشأن الداخلي فقد كانت للتدخلات الخارجية دور أيضا في تعطيل انتخاب رئيسا للجمهورية فالخارج كان وما زال ناخبا أول لرئيس الجمهورية اللبنانية, فلا يمكن التغاضي على أن التدخلات السياسية من قبل الدول الخارجية قد تحدث التوترات السياسية والنزاعات لذلك يجب أن يقتصر دورهم فقط على المساعدة على تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين وتقديم النصائح للسلطة دون التدخل في شؤون الدولة السياسية.
أما بالنسبة لاعضاء مجلس النواب فمن المعروف انهم يجلسون على مائدة واحدة قد يختلفون في اختيار الطعام منهم من يختار الايطالي ومنهم المكسيكي ومنهم من يلجأ لاختيارات اخرى فهم بذلك يمارسون حريتهم الطبيعية لكن ليس هناك حرية ابدا في سعيهم لمماطلات تدمر بلدا أصبح على حافة الهاوية.
وأخيرا ندعو أعضاء مجلس النواب للتصرف بعقلانية والتوافق ولو لمرة واحدة لحماية وطننا, فهل يا ترى ستحافظ بيروت على اسمها “ام الشرائع” بعد أن فسر كل على هواه القانون؟.
إعداد ليليان مكية وفاطمة القنطار