يعيش اللبنانيون ظروفًا صعبة تفرض عليهم ضغوطًا نفسية لا شك أنها ستترك أثرًا عميقًا، ليس من السهل تخطيه. ومع أهمية هذا الموضوع لما له من تأثير على كل فرد منا، تشير الأخصائية والمعالجة النفسية رندا وهبة إلى أن ما يمر به اللبنانيون في ظل الحرب التي يعيشونها يعرضهم لضغوط نفسية كبيرة، تترك أثرًا بالغًا يتمثل في القلق والخوف من المجهول ومن نتائج الحرب، فضلًا عن فقدان الأحبة والأعمال والأملاك.
كما قد يعاني اللبنانيون من عوارض عدة مثل الخوف، القلق، واضطراب ما بعد الصدمة نتيجة القصف والتهجير، وتتجلى هذه العوارض في الكوابيس التي ترافقهم بسبب ما عاشوه، ما قد يؤدي إلى الاكتئاب والعزلة النفسية، خاصةً مع شعور الإنسان بعدم وجود دافع لديه تجاه المستقبل. وتؤثر هذه الحالة بشكل أكبر على الأطفال والمراهقين، وهم الفئات الأكثر ضعفًا، مما يولد لديهم شعورًا بفقدان الأمان والاستقرار، الأمر الذي يؤدي إلى مشاكل سلوكية مثل العصبية الزائدة والخوف، وانهيار الشعور بالأمان الشخصي.
وتتابع وهبة مؤكدة أن هناك طرقًا عديدة يمكن من خلالها التخفيف من تأثير هذه المرحلة الصعبة ومساعدة الفرد على الصمود والتفكير بشكل صحيح لإيجاد الحلول. أولًا، لا بد من التعبير عن المشاعر وعدم كبتها؛ فليس عيبًا أن نعبر عن خوفنا وقلقنا، وهذا لا يعكس ضعفًا بل بالعكس، لأن كبت المشاعر يزيد من المشاكل النفسية، وكلما عبرنا عنها، ساعدنا في زوالها ومنع تراكمها الذي يؤدي إلى مشاكل نفسية أكبر.
رغم الحرب والظروف الصعبة التي نعيشها، يجب أن نحاول قدر الإمكان التعامل مع مشاعرنا والتحكم في يومياتنا وأنشطتنا الروتينية، دون التركيز الكامل على الأخبار السلبية أو متابعة كل المحطات الإخبارية بشكل مستمر، لأن ذلك يزيد من مستوى القلق والتوتر.
وتضيف وهبة مؤكدة على أهمية العناية بصحتنا الجسدية من خلال ممارسة الرياضة مثل المشي، وتناول الأطعمة الصحية، والحفاظ على نوم منتظم. كما تنصح بممارسة تمارين التنفس بشكل منتظم، لأنها تساعد على استرخاء عضلات الجسم والتخفيف من المشاعر السلبية.
من الضروري أيضًا التركيز على كل ما نسمعه ونشعر به ونراه من خلال حواسنا، لتشتيت التفكير عن الأمور السلبية المحيطة بنا، والتفكير بما يحدث الآن دون الانشغال بما مضى أو بما قد يأتي.
تطرح وهبة أيضًا موضوعًا أساسيًا وهو الدعم الاجتماعي، أي اللقاءات مع الأصدقاء التي تحسن المزاج وتغيره، بالإضافة إلى ممارسة الهوايات التي نحبها. كما يشكل الإيمان جانبًا مهمًا في هذا السياق، حيث توفر الصلاة والتأمل الروحي نوعًا من الثبات والاستقرار الداخلي، مما يعد عاملًا مهمًا في تحسين الحالة النفسية لتخطي الأزمة.
وتضيف وهبة أنه من المهم في هذه المرحلة التي تسيطر عليها مشاعر التوتر والقلق، تجنب اتخاذ قرارات مهمة وأساسية، لأن اتخاذ مثل هذه القرارات في ظل هذه المشاعر السلبية سيترك أثرًا على حياتنا. لذا من الأفضل تأجيلها إلى حين استعادة الهدوء، حتى نتمكن من اتخاذها بطريقة صحيحة وواعية دون أن تغلبنا مشاعرنا.
بالنسبة للأشخاص الأكثر تأثرًا في هذه المرحلة، ترى وهبة أن الأطفال هم الفئة الأكثر تضررًا، لذلك لا بد من مساعدتهم لتجاوز هذه المرحلة بأقل ضرر ممكن. فالصدمات التي يتعرض لها الأطفال تؤثر على نموهم العاطفي والعقلي. فهم يلتقطون إشارات الخوف والقلق من الأهل دون أن يفهموا الأسباب، وهذا ينطبق بشكل خاص على الأطفال دون سن الثامنة، الذين يركزون على المشاعر أكثر من التحليل، مما يزيد من مشاكلهم النفسية نتيجة الأصوات العالية والعنف.
يظهر تأثير هذه الأمور على سلوك الأطفال من خلال التصرفات العدوانية أو العزلة أو التراجع في الدراسة والابتعاد عن الأنشطة المعتادة. وهنا يكمن دور الأهل في طمأنة الأطفال ودعمهم، وتجنب إعطائهم وعودًا زائفة، بل يجب أن يوضحوا لهم أنهم يبذلون كل ما في وسعهم لتأمين الأمان لهم. كما ينبغي على الأهل إبعادهم عن متابعة الأخبار ومشاهد العنف، والتحاور معهم باستمرار وفتح المجال لهم للتعبير عما يدور في أذهانهم باستخدام لغة بسيطة وصريحة.
وعند سؤالنا عن أهمية فتح المدارس، أجابت وهبة أن عودة التلاميذ إلى المدارس واندماجهم مجددًا مع زملائهم يساعدهم في العودة إلى الحياة الطبيعية، بفضل البيئة الآمنة والمستقرة التي توفرها المدرسة. في هذا السياق، يجب على الأساتذة والمعلمين الانتباه إلى العوارض التي قد تظهر في تصرفات الأطفال سواء في النشاطات الأكاديمية أو غير الأكاديمية، مثل الرسم أو الموسيقى أو الرياضة، واستشارة أخصائي نفسي عند الضرورة.
كما من الضروري التنسيق المستمر مع الأهل والعمل كفريق واحد بهدف تقديم الأفضل للأطفال.
وتشير رندا وهبة إلى أن الأشخاص الذين تعرضوا لصدمات قوية مثل فقدان أفراد من عائلاتهم أو تدمير منازلهم، هم بحاجة إلى متابعة نفسية حتى لا يقعوا في دوامة اليأس والاستسلام، ما قد يؤدي إلى مشاكل نفسية طويلة الأمد. هنا يجب العمل على التخفيف من اضطراب ما بعد الصدمة، ومواجهة الشعور باليأس والعجز من خلال العلاج النفسي، ليتمكن الشخص من التحمل والتأقلم مع التغيرات الجديدة.
من خلال هذا العلاج، يستعيد الشخص قدرته على التواصل مع المجتمع والابتعاد عن العزلة، ويبدأ في التفكير بخطط جديدة للمستقبل.
وتختتم وهبة حديثها بقولها: “كم نحن بحاجة لأن نكون أقوياء لنتمكن من الصمود. هناك عوارض جسدية عديدة تظهر نتيجة تدهور الحالة النفسية، لذلك من الضروري الاهتمام بالصحة النفسية لتجنب انعكاسها على الصحة الجسدية. وهنا علينا التأكيد على أن العلاج النفسي ليس ضعفًا، بل بالعكس، يجب الانفتاح عليه لأنه يوفر مساحة للتعبير عن أفكارنا ومشاعرنا. فكما نهتم بصحتنا الجسدية، علينا الاهتمام بصحتنا النفسية.”
ورغم كل ما يمر به اللبنانيون والصورة القاتمة التي يعيشونها، تنهي المعالجة النفسية رندا وهبة حديثها بنصيحة للقُرّاء: “علينا تعزيز الأمل والإيجابية، والتأكد أن ما نمر به هو مرحلة عابرة وسنتمكن بعدها من النهوض والعودة إلى الحياة الطبيعية. التفكير بطريقة إيجابية يساعدنا على التكيف مع الأزمات وتخطيها بعيدًا عن اليأس والاستسلام، وإدارة حياتنا بطريقة أفضل من خلال التفكير الصحيح واتخاذ القرارات المناسبة.”
يمكنكم متابعة نصائح وإرشادات الأخصائية والمعالجة النفسية رندا وهبه عبر حسابها على فيسبوك وإنستغرام “Psychological_Support”.