معايير تمييز التوائم اللبنانيّة المتطابقة جينيًا

يمتلك العلم الجنائي الوراثي خصائص عدة لعله أبرزها قدرته على التمييز جينيّا كل شخص على حدة..

إنّ عدة مواقع جينية من الحمض النووي تشكّل ما يعرف بالبصمة الوراثية، وهذه البصمة الوراثية تختلف من شخص إلى آخر حيث يتفرّد كلّ إنسان إجمالا ببصمته الوراثية الخاصة..

وتعتبر هذه الميزة ركيزة أساسية في توجيه التحقيق الجنائي في حال حصول تطابق للبصمة الوراثية بين العينات المأخوذة من المشتبه بهم و الآثار المرفوعة من مسارح الجرائم.

غير أن تمييز التوائم المتطابقة جينيا لا تزال تشكل معضلة للعلم الجنائي الوراثي بسبب مشاركة الشقيقين/الشقيقتين المتطابقين جينيا نفس الحمض النووي. بسبب نشأتهم من بويضة مخصبة واحدة، هذه التوائم تتمتع بنفس التركيب الوراثي و بالتالي لديهم نفس البصمة الوراثية.

وعليه، إنطلاقا من المعيار الأخلاقي، وإذا ما حصل تطابق لبصمة وراثية بين عينة لأحد التوائم وأثر من مسرح الجريمة، فإن قرار المحكمة لا يكون حاسما و بالتالي يطلق سراح كلا الشقيقين/الشقيقتين الموجودين تحت دائرة الإتهام. بينما يقف العلم الجنائي الوراثي عاجزا أمام هذا التحدي، يقدم العلم ما فوق الجيني الحديث نسبيا لكن السريع التطور منظورا جديدا و مسعى جديا لإستنباط الحلول.

تهدف هذه الدراسة إلى تمييز التوائم اللبنانية المتطابقة جينيا كبديل محتمل واعد من خلال تعقب الإختلاف ما فوق الجيني. المشاركون في هذه الدراسة ينتمون إلى مختلف الأعمار، من الذكور و الإناث، و موزعين جغرافيا على جميع المناطق اللبنانية. بعد التوقيع على الموافقة للمشاركة و التبرع بعينة حمض نووي، تمت تعبئة استبيان يتطرق إلى مختلف نواحي نمط حياة المتطوعين المتمثلة بنوعية النظام الغذائي، إستهلاك التبغ، ممارسة الرياضة، إستهلاك الكحول، و الحالة الصحية المرتبطة بوجود أية أمراض مزمنة و العمليات الجراحية التي تم إجراءها. وبعد إستخدام تقنية حديثة عالية الدقة و تطبيق المعايير الإحصائية المناسبة، تم التوصل إلى تمييز ٧٢% من المشاركين من التوائم اللبنانيين المتطابقين جينيا.

أثبتت هذه الدراسة أن التمتع بنمط حياة مختلف بين الشقيقين/الشقيقتين في التوائم اللبنانية المتطابقة جينيا يؤدي إلى التمييز بينهما. إنّ هذا البحث يقدّم أفقًا جديدًا يعوّل عليه في التمييز بين التوائم اللبنانيين المتطابقين جينيا.

بقلم: د. بولا رومانوس/ باحثة وخبيرة جنائيّة

د. بولا رومانوس: دراسة تقييمية حول مستوى إطلاع المجتمع اللبناني على العلم الجنائي

إن تعريف العلم الجنائي يرتبط مباشرة بأهمية تطبيق مختلف مجالات العلوم بهدف خدمة القانون. تعتبر قضايا الحمض النووي من أكثر هذه المجالات تميزا بسبب التطور التقني المتسارع الذي يخولها أن تكون إلى حد كبير دليلا دامغا في المحاكم العالمية. من أجل تنفيذ إجراءات التحقيق الجنائي بشكل أفضل، أصبح الوعي العام للمجتمع ضرورة أساسية. إن هدف هذه الدراسة هو تقييم مستوى الإدراك لدى المجتمع اللبناني للعلم الجنائي و إستطلاع الرغبة بالتبرع بعينة حمض نووي لتسجيلها بقاعدة البيانات أو إستعمالها لاحقا في أبحاث علمية. بلغ عدد المشاركين في هذه الدراسة ٤٠٠ لبناني بالغ من الذكور و الاناث، موزعين جغرافيا على جميع المناطق اللبنانية. بالإضافة إلى ذلك، تم إختيار المتطوعين من جميع الأعمار و من مختلف المستويات العلمية و المهنية. كشفت هذه الدراسة، بعد إعتماد الأساليب الإحصائية اللازمة، أن فقط ٤٠ % من المشاركين هم على دراية بحيثيات العلم الجنائي و ٢٦ % فقط يقبل بالتبرع بعينة حمض نووي. إن نتائج هذا البحث تشير الى أن المشاركين الذين ينتمون إلى شرائح عمرية صغيرة نسبيا، و يحظون بمستويات علمية عالية، و المقيمين في المدن، و المستقلين مهنيا لديهم إلمام أكثر بالعلم الجنائي. كإستنتاج أولي، يوجد حاجة ملحة لزيادة نسبة الوعي للعلم الجنائي في المجتمع اللبناني. من الإقتراحات المطروحة في هذا المجال، إدخال بعض البرامج التعليمية في مناهج المدارس اللبنانية. نظرا لأنه من المبكر التنبؤ بشكل حاسم بمستوى إدراك العلم الجنائي، المزيد من الدراسات التقيميية الوطنية يجب أن تبذل في هذا المجال.

د. بولا رومانوس