بعلبك وطلال حيدر: قصيدة الحنين التي لا تشيخ
في بعلبك، لا الحجارة صامتة، ولا الريح ساكنة.
هناك، كل زاوية تحمل صوتًا، وكل درج يروي قصة، وكأن المدينة تناديك باسمك، تُذكّرك أنك لست عابرًا، بل جزءٌ من نبضها، ابنٌ لهذه الأرض التي لا تشيخ.
حين تتجول في أزقتها، تشعر أن طلال حيدر يرافقك، أن كلماته ليست بعيدة، بل تنبض في كل حجرٍ، وتُهمس في أذنك كما لو أنها خُلقت لتروي حكايتك:
“بغيبتك نزل الشتي،
قومي اطلعي عالبال
في فوق سجادة صلا
واللي عم بيصبوا قلال
صوتن متل مصر المرا
وبعلبك الرجّال.”
بعلبك ليست مدينةً عادية، هي ذاكرةٌ تحفظها الريح، وحجارةٌ تصلي بصمتٍ حين يغيب الضوء. وكما كتب طلال عن البيت الذي كان يحمل الفرح والوجع معًا:
“كان عندن بيت،
وصورة عليها ناس،
معلّقين بخيط،
وقعوا عن سطوح العمر
وستلقتّن الحجار.”
كيف يمكن أن تكون غريبًا عن هذا المكان؟
في بعلبك، ترى نفسك في عيون أهلها، في صوت أطفالها، وفي رائحة الخبز الذي يتصاعد من أفرانها القديمة. وفي كلمات طلال، تجد تلك التفاصيل الصغيرة، التي تجعل الحياة كبيرة:
“ركوة عرب ع النار وعبق الهال،
والليل عيونك، والليل خيال.”
كأن الليل في بعلبك يختلف، كأن النجوم أقرب، والهواء أكثر صدقًا. كل مرة تقرأ لطلال حيدر، تشعر أن كلماته ليست فقط وصفًا للمكان، بل هي جسرٌ يصل بين الحاضر والذاكرة. هي دعوة لنقف أمام هذا الزمن، محمّلين بحنينٍ يشبه الأبدية، وبشموخٍ يشبه قلعة بعلبك.
قال طلال:
“نيال فخّارا لهالجرة،
فرحان عندو عيد.”
وهكذا تبقى بعلبك، مدينةٌ تعيد لكل من مرّ بها شيئًا من نفسه.
وتبقى قلعتها شامخة، وشاعرها الذي حملها في قلبه، شاهدًا على أن الحنين ليس ضعفًا، بل هو القوة التي تجعلنا نُكمل الطريق، ونؤمن أن الغد، مهما كان بعيدًا، يحمل لنا أغنياتٍ لم تُغنَّ بعد.
Editor in Chief at Lebanese Daily News
PhD in Economy – BA in Law
Media & AI Expert