في دور الاعلام في الحرب الاسرائيلية على غزة

الإستثمار في الإعلام لا يكون لا في التضليل الإعلامي ولا في المبالغة ولا في المخاطبة التي لا تصل إلى الآخر وإنما تبقى في محيط ضيق.

         دور الإعلام الأساسي هو في ايصال الحقيقة وصناعة الرأي العام والتأثير به وإرباك الإعلام المضاد. من هنا أهمية أن يكون الإعلام موضوعيا ويعتمد على المعلومة الدقيقة ويمتلك الوسائل الضرورية لايصال هذه المعلومة إلى الرأي العام الدولي والغربي في شكل خاص الأميركي والأوروبي وهذا يفترض التمييز بين الشعوب الغربية وأنظمتها وهذا ما غاب كثيرا في الخطاب الاعلامي الذي واكب ما بعد عملية غلاف الأقصى والحرب الاسرائيلية على غزة.

         كما السياسة الأميركية تذهب إلى تقسيم العالم إلى قسمين: عالم الأخيار وعالم الأشرار. يذهب البعض عندنا إلى تقسيم العالم وفقا للمعادلة الآتية: ’’من هو مع غلاف الأقصى ومن هو ضدها‘‘. هذا نوع من التبسيط الاعلامي.. فهناك قوانين دولية وشرعات حقوقية ساهم فيها الغرب بشكل أساسي لا تخدم هذا النمط من التقسيم للعالم‘‘ ويمكن في المواجهة الحالية بين اسرائيل وغزة وفي الضفة وعلى الحدود اللبنانية البناء على هذه القوانين والشرعات الحقوقية لأنها في صلب ثقافة شعوب الغرب الذي ليس بالضرورة مساندا لخطاب أنظمته. والدليل هو التظاهرات التي تعترض على قتل الأطفال والنساء وسياسات التدمير والتهجير في غزة. وهذه التظاهرات فرضت نفسها في باريس ولندن وروما وبرلين ونيويورك وشيكاغو كما استتبعت انقساما حادا لأول مرة في الجامعات الأميركية استنفر معه اللوبي اليهودي الأميركي إلى تهديد المؤيدين من الطلاب الأميركيين للقضية الفلسطينية بـ’’لوائح سوداء‘‘ تحول بينهم وبين ممارسة أي مهنة.

         لا شك أن اللوبي اليهودي له تأثير واضح في وسائل الإعلام الغربية وفي مدّها بالمعلومات التي تخدم المصالح الاسرائيلية وفي تشويه المعلومات التي تأتي من مصادر فلسطينية أو عربية. وهو يروّج حاليا لطروحات ’’المحافظين الجدد‘‘ حول الخوف من الإسلام والمسلمين استنادا لنظرية فوكوياما عن ’’صراع الحضارات‘‘ وتحديدا بين الحضارتين الغربية والاسلامية. وما يريده اللوبي الاعلامي اليهودي هو اعتبار المواجهة بين ’’حماس‘‘ واسرائيل هي مواجهة بين الاسلام والغرب. والهدف من ذلك هو نشر ’’الاسلاموفوبيا‘‘ في المجتمعات الغربية. وهذا ليس في صالح القضية الفلسطينية التي هي قضية الشعب الفلسطيني الذي اقتلع بغالبيته من أرضه بمسلميه ومسيحييه. وما ضرب المستشفى الأهلي المعمداني والكنيسة المعمدانية إلا الدليل على أن اسرائيل تستهدف كل الشعب الفلسطيني بكل مكوناته ولا تميز بين مسلم ومسيحي. فالهدف الاسرائيلي هو تهجير الفلسطينيين ورميهم إلى الخارج. ومع ذلك فإن الهدف الاسرائيلي أدّى إلى رأي عام دولي متعاطف مع أطفال غزة وساكنيها ومع موظفي الأمم المتحدة والصليب الأحمر والأونروا. والفضل في ذلك هو للكاميرا ووسائل التواصل الاجتماعي وإلى مستويات العنف الاسرائيلي غير المسبوق وإلى الحصار الجماعي.

         ’’الخطاب الاسلاموي‘‘ الاعلامي يمكن أن يكون مبررا من جانب ’’حماس‘‘. فهو في حساباتها عنصر ’’تحشيد اسلامي‘‘ لكنه في حسابات الغرب عنصر تنفيرخصوصا أن هناك دولا عربية واسلامية لا تستسيغه باعتباره يعطي لليمين الديني الاسرائيلي وللمستوطنين دفعا للامساك بالقرار الاسرائيلي ولاستبعاد الضغوظ الدولية والأممية.

        

يتميز الاعلام اللبناني في تغطية الحرب الاسرائيلية على غزة بأنه كان إعلاما موضوعيا إجمالا. كانت هذه صورة الاعلام المرئي على الأقل الذي كان غالبا في السابق محكوما بالإنقسام. وفي هذا الصدد سمعت أكثر من إشادة بقناة MTV. أما الإعلام العربي فكان البعض منه أقرب إلى الحياد بسبب ارتباطه بالتطبيع. كما أن بعض إعلام التواصل الاجتماعي غابت عنه المهنية وغلبت عليه سياسة الإرتجال أو الإنفعال وهذه كانت أيضا السمة العامة للمؤتمرات الاعلامية أو اللقاءات حيث كانت النبرة الخطابية تغلب على المضمون وتفسير ما يحصل وإبلاغ الرسالة التي يوجبها الحدث.

الاستثمار في الاعلام يفترض تسليط الضوء على معرفة ما تريده اسرائيل وعلى حدود الدعم الأميركي لها. وليس بالضرورة أن ما تريده تل أبيب تريده واشنطن. وهذا ما تبيّن في موضوع تهجير الفلسطينيين إلى صحراء سينا، حيث أخذت واشنطن في الإعتبار لموقف القاهرة المعترض والذي ربطته بالأمن القومي المصري. ومن هنا أهمية إبراز التباينات الأميركية الإسرائيلية في الإعلام ومنها التباين في قضية الرهائن وتوقيت الحرب على غزة والأمور الإنسانية وفتح معبر رفح وتطبيق قواعد القانون الدولي في الحرب وعدم القصف المقصود للمدنيين أو المستشفيات والمدارس.

يمكن للاعلام العربي والفلسطيني وغيره المؤيد للقضية الفلسطينية أن يستخدم المنصات الإعلامية الدولية كوسائل لايصال المعلومات وتحديدا في المسائل الإنسانية وفي العقاب الجماعي وقتل الأطفال وسياسات التجويع.

وأخيرا أحيانا كثيرة يكون ’’الصمت‘‘ عنصرا اعلاميا أساسيا في الإرباك للخصم وحلفائه كما هي حال صمت السيد حسن نصر الله. فالفعل الاعلامي متعدد الوجوه والأبعاد والأهداف خصوصا وأن الضجيج الاعلامي لا يُحدث الصدى المطلوب ولا النتائج المرجوة.

                                              عبد الهادي محفوظ