“وحوش” تيك توك: صرخة أطفال تُنادي بِحمايةٍ غائبة

في عالمٍ افتراضيّ، حيث تُبنى الشهرة على التفاهة والسلوكيات المنحرفة، تُسْتَغَلّ براءة الأطفال وتُباع كسلعة رخيصة. هكذا، هزّتْ فضيحة “تيك توك” الأخيرة أرجاء المجتمع اللبناني والعالم العربي، لتُعيدنا مجدداً إلى نقاشٍ حادٍ حول مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي على أطفالنا وأجيالنا الناشئة.

تكمن تفاصيل الفضيحة في قيام بعض مستخدمي “تيك توك” “الوحوش”، باستدراج الأطفال عبر هذه المنصة ليصار إلى الاعتداء عليهم جنسيًا وتصوير الاعتداءات بالصوت والصورة، ومن ثم بيع هذه الفيديوهات عبر ما يعرف بال Dark Web. حكاياتٌ مأساوية روتها ألسنةٌ بريئة، كشفت عن وحشيةٍ لم تُراعِ براءة الطفولة ولا الحس الإنساني.

تُسلّط هذه الفضيحة الضوء على مخاطر جمة تُهدّد أطفالنا في ظلّ انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، من أهمّها:

  • اختراق خصوصية البيوت: فقد باتت هذه الوسائل تُدخل بيوتنا وتُطلّ على تفاصيل حياتنا اليومية، متجاوزة كلّ الحدود الطبيعية والاصطناعية التي كانت تحمي حرمة البيت والأسرة.
  • الترويج للسلوكيات المنحرفة: تُركّز منصات التواصل الاجتماعي على التفاعل وجذب المشاهدين، بغض النظر عن نوعية المحتوى المُقدّم. وهذا ما أدّى إلى انتشار ظاهرة “المُشاهير”، الذين يُبني محتواهم على التفاهة والسلوكيات المنحرفة، والذين يحققون أموالًا طائلة، وهذا ما يؤثر سلباً على سلوكيات الأطفال والشباب الذين يحاولون تقليدهم والاقتداء بهم. خاصة في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها لبنان والمنطقة.
  • ضعف القوانين: تُعاني الدول العربية، ومن ضمنها لبنان، من ضعف في القوانين المُتعلّقة بحماية الأطفال على الإنترنت. فالقانون اللبناني لمكافحة الجرائم الإلكترونية، على سبيل المثال، لا يُغطّي بشكلٍ كافٍ جميع أشكال الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت. كما أنّ آليات الرقابة على محتوى المنصات الإلكترونية لا تزال ضعيفة، ما يفسح المجال لانتشار مثل هذه الظواهر الخطيرة.

صرخة أطفال:

إنّ فضيحة “تيك توك” تُمثّل صرخة أطفالٍ تُنادي بِحمايةٍ غائبة. فالمسؤولية تقع على عاتق الجميع، من أفراد ومجتمعات ودول، لخلق بيئة آمنة تُتيح لأطفالنا الاستفادة من فوائد هذه الوسائل دون تعريضهم لمخاطرها. لكل هذا، لا بدّ من اتّخاذ خطواتٍ جادة لمواجهة هذه المخاطر، هذه بعضها:

  • توعية الأهالي: يجب توعية الأهالي على مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي على أولادهم، وتعليمهم كيفية استخدامها بشكلٍ آمن.
  • التشديد على رقابة الأهل: حيث تُوفّر العديد من المنصات الإلكترونية أدواتٍ لرقابة الأهل، وهذا ما يُتيح لهم التحكم في محتوى ما يُشاهده أطفالهم على الإنترنت.
  • مسؤولية المنصات: يجب على منصات التواصل الاجتماعي اتّخاذ خطواتٍ أكثر صرامة لمكافحة محتوى الاستغلال الجنسي للأطفال، من خلال تحسين آليات الرقابة وتطوير أنظمة الإبلاغ عن مثل هذه المحتويات.
  • تطوير القوانين: يجب على الدول العربية العمل على تطوير قوانينها المُتعلّقة بحماية الأطفال على الإنترنت، وتشديد العقوبات على مرتكبي جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال.
  • العمل الجماعي: يجب على جميع الجهات المعنية، من حكومات ومؤسسات مجتمع مدني ومدارس، التعاون لمكافحة هذه الظاهرة، وتوفير برامج دعمٍ نفسيّ للأطفال الذين تعرّضوا للابتزاز أو الاستغلال.