الدولار إلى أرقام قياسيّة جديدة

الدولار إلى أرقام قياسيّة جديدة

شهدت التسعيرة الأخيرة للمشتقات النفطيّة صدمة كبيرة بين الناس، فبخلاف كل التوقعّات بأن يتم رفع ما تبقى من دعم على مرحلتين، كان القرار برفع الدعم كليًا وفورًا، وارتفاع سعر صفيحة البنزين ٦٠ ألف ليرة مرة واحدة، كالصاعقة التي ضربت حقل قمح يابس. إذ أصبح كل ما يحتاجه المواطن اللبناني في حياته اليوميّة مرتبطًا بالدولار الأمريكي وسوقه السوداء، وهذا ما يرجح ارتفاع سعر صرفه لأرقام قياسيّة جديدة. 

في الأصل عندما تتعرض دولة ما لانهيار في عملتها، يعمد المصرف المركزي فيها إلى حصر التعامل التجاري بالعملة المحليّة، كي يخفّف الطلب على العملة الأجنبية ويحدّ من ارتفاع قيمتها، ويعتبر التداول بالعملات الأجنبية جريمة يعاقب عليها القانون. أما في لبنان الفريد من نوعه وبحكّامه، الموضوع بالعكس تمامًا، فالدولة قد أوقفت الدعم كليًا، وربطت شراء كل المواد الأساسيّة في البلد بالدولار، والأنكى أن المقصود بالدولار هنا هو دولار السوق السوداء وليس حسب سعر الصرف الرسمي. كما أن مختلف التجّار قد ربطوا بيع بضائعهم بالدولار حصرًا لحماية أنفسهم من عدم استقرار سعر الصرف.

إذا أضفنا إلى هذا كلّه قرار مصرف لبنان بايقاف العمل بالمنصة التي كان يبيع عبرها الدولار للتجّار، ما سيدفع التجّار إلى السوق السوداء لشراء حاجتهم من الدولار بسعر أعلى.

كل هذا يعني أن الطلب على الدولار سيزداد كثيرًا في الفترة القادمة، وبالتالي سوف يرتفع سعر صرفه بصورة جنونيّة. 

قلّما نجد دولة تخلّت عن مسؤولياتها تجاه شعبها كالدولة اللبنانية، فمع رفع الدعم عن الدواء والغذاء والمشتقّات النفطية، ومع إغلاق مصرف لبنان منصة بيع الدولار، ومع عدم توفير البطاقة التموينيّة التي طال الحديث عنها، يدفع المواطن اللبناني وحيدًا الثمن من حياته، وحقوقه الوظيفيّة، ومدّخراته المصرفية، وأمانه الاجتماعي، مقابل دولار يحلّق تاركًا وراءه أحلام وآمال وأماني هذا المواطن التي أصبحت في التراب. 

 

محمد اسماعيل – باحث اقتصادي