يمرّ لبنان اليوم، بدولته وشعبه، بظروف قد تكون الأقسى في تاريخه، والأصعب في مسيرته. وعند الشدائد، يلجأ الناس للحكماء بينهم، ونحن لجأنا لرئيس الهيئة التنفيذية في حركة أمل الحاج مصطفى الفوعاني، العارف بخفايا الأمور، العاقل في وقت انعدام التوازن، الحريص على الوطن وأبنائه لنسأله ونستفسر منه.
فكان لنا في موقع Lebanese Daily News معه هذا الحوار:
ما هو برأيكم السبب الجذري للأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان، وما هي الخطوات التي ينبغي اتخاذها للتصدّي لآثارها على المجتمع اللبناني؟
ان السبب الجذري للازمة هو عدم وجود اقتصاد منتج، اذ اعتمد دائما الاقتصاد اللبناني على الاقتصاد الريعي والخدمات باستثناء بعض المحاولات الفردية ونادرًا الحكومية إلا ان الجزء الاعظم من الاقتصاد بقي ريعيًا، وهذا الكلام لا يعني التخلي عن الخدمات وخصوصا المالية، بل الاكتفاء به دون العمل على استثمار صناعي وزراعي وعلمي من اجل اقتصاد منتج جعل من الاقتصاد اللبناني اقتصادا غير محصن يسهل انهياره في ظل اي ازمة او حصار او تخلٍّ…
الخطوات المطلوبة هي البدء باتخاذ اجراءات حكومية تحد من حجم الانهيار والبدء بتطبيق كافة القوانين التي لا تطبق ووضع رؤية مستقبلية عبر حوار بناء بين جميع اللبنانيين تضع لبنان على سكة التعافي تعالج النظام المصرفي وتضع خطة استراتيجية لدعم القطاعات الانتاجية لتحويل الاقتصاد الى اقتصاد منتج والإفادة من ثروتنا النفطية عبر صندوق سيادي.
هل ترون أن الجهود المبذولة من الحكومة اللبنانيّة تلبّي تطلّعات اللبنانيين، خاصة في مواضيع السلع الأساسيّة كالأدوية والطاقة والمواد الغذائية؟
لا شك أن الحكومات المتعاقبة ولاسيما في ظل الازمة لم تبادر الى القيام بدورها بشكل جدي عبر اجراءات تلبي تطلعات المواطن ضمن خطة طوارئ تؤمن الحد الادنى من الاحتياجات والسلع الاساسية اضافة الى ان الحكومات لم تبادر الى تطبيق القوانين المشرعة التي لو طبقتها لعالجت عددا كبيرا من المواضيع التي اتعبت وتتعب كاهل اللبنانيين،
وللأسف سلسلة الانهيارات التي نشهدها بحاجة سريعة الى خطة التعافي الاقتصادي والمالي والصحي والتي تشكل المخرج الوحيد.
كيف يمكن معالجة أزمة الكهرباء المستمرّة منذ زمن بعيد، وما هو الدور الذي تلعبه مصادر الطاقة البديلة في معالجة هذه الأزمة؟
دون الخوض في تفاصيل الهدر والفساد في قطاع الطاقة لأنه يحتاج لكثير من الوقت الا ان مشكلة الكهرباء تكمن في اعتماد اسلوب دعمها من خزينة الدولة بدلا من وضع خطط جدية وواقعية لبناء معامل انتاج كلفتها اقل بكثير من الهدر الموجود وللبنان تجربة ناجحة في الثمانينات في بناء المعامل، كما ان العمل يحتاج الى اعتماد ادارة جيدة ومتطورة تبدأ بتشكيل هيئة ناظمة للقطاع وسياسة رشيدة عندها يمكن الاعتماد على اي طرق علمية للعلاج بطاقة بديلة أو غيرها وقد يكون باعتماد
عدد متنوع من الطاقات كما هو الحاصل في الدول المتقدمة، ويكفي ان نعرف أن نصف الدين العام سببه اصرار البعض ممن تولى هذه الوزارة على استجرار الطاقة عبر البواخر ما رتب أعباء ضخمة ينوء المواطن اليوم تحت أعباء تلك السياسات التي فاحت منها روائح الصفقات والفساد.
إلى أي مدى ساهم غياب رئيس للجمهورية وحكومة أصيلة في استفحال الأزمة الاقتصادية والمعيشيّة في البلد؟
إن نجاح اي دولة يعتمد على مؤسساتها كافة بتكامل ادوارها في الحياة السياسية لها، فمن المؤكد ان غياب اي مؤسسة او موقع يؤثر سلبا على واقع الدولة فكيف إذا كانت هذه الدولة تعيش عدد من الازمات؟
ان واقع البلد المأزوم يحتاج دون أدنى شك الى انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة بصلاحيات كاملة لإرساء واق سياسي جيد يستطيع اتخاذ القرارات وتنفيذها تطبيقا للدستور والقوانين لانتشال لبنان من ازماته المتلاحقة وهذا ما تشدد عليه حركة امل وبصورة مستمرة وحتى قبل فراغ سدة رئاسة الجمهورية، ولكن وللأسف على من تتلو مزاميرك؟!
ما هي الخطوات التي يجب اتخاذها لمعالجة الانقسامات السياسيّة والطائفية في لبنان، وما هو الدور الذي ممكن أن يلعبه الحوار في إيجاد طريق للمضي قدمًا؟
ان التعددية والتنوع هي صفة المجتمعات المتحضرة والتعدد والتنوع السياسي والطائفي في لبنان يشكل مصدرا لثروة فكرية للوطن الا ان الطائفية هي التي منعت من الاستفادة من هذه الثروة وحولتها الى انقسامات اتعبت كاهل الوطن وانسانه
واي انقسام مهما كان نوعه لا يمكن معالجته الا بالحوار والتواصل لطمأنة الآخر والتواصل معه للتفاهم والاستفادة من قدرات الجميع لبناء الوطن
طبعا ان الوصول الى دولة مدنية مؤمنة غنية بالطوائف بعيدا عن الطائفية هو الحل الجذري لهذه الانقسامات الا ان الوصول الى اي هدف ايجابي مهما كان نوعه او رؤيته لا يمكن ان ينطلق الا بالحوار والتفاهم، وهنا نؤكد على كلام الامام القائد السيد موسى الصدر الذي اعتبر ان طوائف لبنان نعمة والطائفية نقمة، وهذا ما يدعو إليه ميثاق حركة امل.
ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص في المساعدة على معالجة الأزمة الحالية، وما هي الخطوات التي يجب اتخاذها لتشجيع الاستثمار والنمو الاقتصادي في لبنان؟
ان الخروج من الازمة لا يمكن ان يعتمد فقط على الدولة، بل يحتاج الى تضافر جهود الجميع- اشخاصا ومؤسسات- في مواقع السلطة او خارجها عامة او خاصة فيدخل هنا دور القطاع الخاص في المساهمة في معالجة بعض جوانب الازمة عبر المبادرة الى الاستثمار داخل لبنان بإنسانه وصناعته وجميع قطاعاته وأحيانا عبر التعاون مع الدولة لاستنهاض بعض المؤسسات الحكومية ضمن شراكة تحفظ سلطة الدولة وامتلاكها لمؤسساتها
ولتشجيع الاستثمارات يوجد طرق كثيرة ومتنوعة اولها واهمها والتي تشكل مفتاح الدخول والانطلاق هو الامن لإرساء الامان والطمأنينة لرؤوس الأموال لتأتي للاستثمار والذي لا يمكن ان يكون دون هدوء سياسي وحياة سياسية مؤسساتية منتظمة تتشكل بإرادة جميع الاطراف عبر حوار وطني جامع وهذا ما يشدد عليه دولة الرئيس نبيه بري.
كيف يمكن لمنظمات المجتمع المدني والأفراد أن تسهم في معالجة الأزمة الحالية، وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه في تشكيل مستقبل لبنان؟
كما قلنا في الجواب السابق ان الخروج من الازمة يحتاج لتضافر جهود الجميع ومن الطبيعي ان يكون الانسان اللبناني فردا كان او منظما ضمن فريق يهدف اساسيا الى العلاج والمساهمة فيه وصولا لبناء مستقبل افضل لوطنه، دون ان يكون مطية لسياسات خارجية تسعى لتأمين مصالح لها على حسابنا.
كيف ترون مستقبل لبنان على المدى القصير والمدى الطويل، وما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لضمان تعافي البلاد على الرغم من التحديات الحالية التي تواجهها؟
طالما شُبّه لبنان بطائر الفينيق الذي ينفض الرماد عن نفسه دائما ويعود للحياة ولا شك ان مستقبل لبنان سيكون بخير زاهرا بإنسانه متقدما عائدا الى الحياة بصورة جميلة بإذن الله،
اما في التوقيت العاجل او الآجل فهذا يعتمد على ارادة القوى السياسية في اتخاذ جرأة القرار بالتوجه نحو التفاهم والتواصل والحوار فيما بينها لانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة واعادة الروح الى مؤسسات الدولة خصوصا وان للبنان ثروة نفطية يمكن الاعتماد عليها للمستقبل الى جانب كل القطاعات الأخرى.
ما هي الرسالة التي توجّهونها للشعب اللبناني خلال هذه الأوقات الصعبة؟
لطالما كان الشعب اللبناني هو من يوجه الرسائل الى العالم كله بصموده وانتصاراته وانجازاته ومقاومته ونموذج انسانه في موطنه وفي اغترابه وهو اليوم بصبره ووجعه واصراره على البقاء والتحرك والمساهمة في المعالجة يوجه رسالة جديدة للعالم اجمع بانه لا يركع ولا يضعف ولا يتخلى عن قضاياه اضافة الى عزمه على اعادة احياء وطنه بالتعدد والتنوع والحوار والتفاهم بين بعضه البعض لصالح الوطن.
لذا فانه لا يحتاج لرسائل، ويكفي ان نعلم ان رسالة حركة امل وامامها ورئيسها كانت وما تزال هي رسالة بناء وطننا على أسس متينة وعلى علاقة داخلية وثيقة وعلى مفهوم المقاومة التي غدت عنوان وجودنا امام سلسلة الاعتداءات الاسرائيلية المتمادية.