بين الأحزاب السياسية التقليدية وهيئات المجتمع المدني المنطلقة، لا صوت يعلو على صوت الانتخابات

الانتخابات النيابية اللبنانية

قد يظن من يتابع أخبار لبنان من الخارج، أن الشاغل الأوحد اليوم، للقوى السياسية في هذا البلد، هو الهم المعيشي والاقتصادي والاجتماعي للمواطنين اللبنانيين، فالبلد يقبع تحت عبء ازمة اقتصادية خانقة لم يشهد مثيلًا لها منذ عشرات السنين، وأغلب الشعب اللبناني أصبح يقبع تحت خط الفقر، محرومًا من أبسط الحقوق كالنقل والطاقة والاستشفاء والماء والكهرباء. فيما الطبقة السياسية غارقة حتى أذنيها في التخطيط للانتخابات النيابية والحفاظ على مكتسباتها ومراكز القوى في أجهزة الدولة وإداراتها التي تملكها اليوم.

من جهة أخرى، فإن القوى والأحزاب السياسية التقليدية في البلد ليست هي الوحيدة التي تتحضر للانتخابات النيابية القادمة، فهناك هيئات جديدة منبثقة من المجتمع المدني ومن ما يعرف بثوار ١٧ تشرين، أصبحت تشكل ما يشبه مشروعًا بديلًا عن السلطة الحالية. هذا المشروع يرتكز على دعم الخارج، ولا سيما بعد انفجار مرفأ بيروت وتمنّع الدول الأجنبية عن تقديم الدعم إلا عن طريق الجمعيّات وهيئات المجتمع المدني بحجة انعدام الثقة بالنظام القائم، كما يرتكز على حالة اليأس العام لدى المواطنين اللبنانيين من الطبقة السياسيّة الحالية، والتي يعتبرونها مسؤولة بكل أحزابها المشاركة في الحكم عبر عشرات السنين، في الوصول للأزمة الحالية التي تعيشها البلاد على كافة المستويات، لا سيّما وأن هذه الطبقة لطالما أغدقت بالوعود الوردية على الناخبين قبل كل انتخابات، لكنها لم تلتزم بتنفيذ أي منها.

هذه الهيئات المدنية، والتي لطالما قدّمت نفسها بدور المساعد والمكمّل للقوى السياسيّة، وجدت الفرصة أمامها سانحة لتطرح نفسها كبديل عن هذه القوى، فبدأت تتكلم عن انتشار البطالة، والعجز الاقتصادي، وعن بناء المصانع وتأمين فرص العمل، والكثير من ذات الوعود التي دأب على استخدامها سياسيو اليوم في الأمس القريب، هذا بالإضافة للإعلانات المدفوعة سواءًا على الشوارع والطرقات العامة أو عبر منصات التواصل الاجتماعي والتي تتحدث عن التغيير القادم والمستقبل المشرق.

في المقابل، القوى السياسيّة الحاليّة التي تمتدّ جذورها عميقًا في النظام الحالي، معتمدة على النفس الطائفي الذي زرعته في جماعاتها لسنين طويلة، ولأيديولجيتها التي تسمح لها بالتحكم بأدمغة ناخبيها، لن تترك الطريق معبدًا لأي قوى جديدة للحلول محلّها، وهذه القوى، والتي حاول بعضها تطبيع مظهره بالشكل الثوري لقوى المجتمع المدني والاندساس بينها، دأب أكثرها، ومنذ فترة، على شيطنة كل تحرّك مدني مناهض لها، عبر التشكيك بوطنيّته، ومصادر تمويله، وتبعيته للسفارات الأجنبية.

إذن، التحضيرات للانتخابات النيابية القادمة قد بدأت، وستزداد ملامحها وضوحًا مع الأشهر القادمة، خاصة من قبل القوى المدنيّة الطموحة، والتي لحماستها قد يغيب عن تفكيرها، أن هذا الشعب الذي يشتكي قبل كل دورة انتخابية من القوى السياسيّة القائمة، يعود يوم الانتخابات، ولاعتبارات متميّزة ومتمايزة لدى الاحزاب والطوائف، لانتخاب نفس الأشخاص، وإن اختلفت الوجوه والأسماء. وتناست هذه القوى أن القدرة على نجاحها تحتاج لأكثر من محاضرات وندوات وخدمات ودورات تدريبية من هنا وبعض مشاريع الأشغال العامة من هناك، ويتعداها للقدرة الفعليّة على تغيير الموروثات الفكرية لدى الناخبين من جذورها، عبر قيادات جديدة تنبثق من نبض الشارع وهمومه اليوميّة.
    
                       محمد إسماعيل